26 - 09 - 2024

وجهة نظري | الخطر المحدق والجدل العقيم

وجهة نظري | الخطر المحدق والجدل العقيم

لم أتوقف كثيرا عند الجدل المثار حول الشيخ التيجاني وما أثير حوله من شبهات .. لم تشغلنى تلك السهام الموجهة بحدة للطرق الصوفية وكيل الإتهامات لها بالبدع والتكفير. لم تصدمنى أسماء المشاهير من الفنانين والأدباء والشعراء والمثقفين الذين التفوا حول ذلك الشيخ، وأصبح بعضهم من مريديه عن اقتناع تام وتغييب كامل للعقل المفترض أن يكون حرا يقظا مضيئا لنور المعرفة لا تابعا مظلم الفكر ضعيف المنطق.

لم يشغلنى كل ذلك مثلما لم يشغلنى غيره من الجدل المثار بين الحين والآخر، الذي يبدو وكأنه موظف وعن عمد لإلهاء الناس عن الهم الأكبر وانشغالهم بقضايا ثانوية وغير ملحة، بينما هناك الأخطر والأهم والمهدد للأمن والأمان واستقرار الوطن العربي كله.

نشغل أنفسنا بالشيخ غريب الملامح وبملابس المرأة ولحية الرجل وتحريم الإحتفال بالمولد النبوى وأعياد الميلاد وكيفية إخراج زكاة المال نقدا أم حبوبا! وتشغلنا ملابس غريبة لطرق صوفية أغرب تبدو أقرب لملابس بلياتشو السيرك.. ننجر لمعارك كلامية لاطائل منها ولاجدوى وراءها .. نصرخ نعترض ندين ولا يهدأ لنا بال حتى ننعتهم بالكفر كأننا نعلن إبراء ذمتنا من ضلالهم وشططهم!

ربما تبدو تلك المعارك مهمة في نظر البعض إلا أن توقيت ظهور مثل تلك الأمور وإثارتها على هذا النحو يبدو مبالغا فيه، وإن شئنا الدقة يتضاءل خطرها مقارنة بخطر محدق أكثر أهمية وربما يكمن في مواجهته علاج غير مباشر لتلك القضايا الثانوية ..

الخطر المحدق كما يتراءى لنا جميعا يكمن في ذلك الكيان الغريب المزروع عنوة وغصبا واحتيالا في جسد الوطن العربى ..

كيان صهيونى شرس لايتوقف عن ابتلاع الأرض في تؤدة وخبث، شبرا وراء شبر، لا تتوقف شهيته عن الإبتلاع ولايتوقف عقله عن التخطيط والتآمر. الغريب أن كل خططه معلنة موثقة بخرائط واضحة وتصريحات ساسته المتبجحة "من النيل للفرات" وطنهم المزعوم.. فكيف نحمى وطننا المبتلى المنهوب !!

تلك هي القضية التي يجب أن تشغلنا .. هى مسألة وجود مهدد بكيان لا يعرف الرحمة ولا التهاون ولا يغمض له جفن دون أن يحقق يوميا خطوة في طريق مشروعه الاستعمارى الخبيث!!

حرب إبادة شرسة، إغتيالات، حصار، تجويع، حرب سيبرانية، فرض أمر واقع على ممرات حدودية، اختراق لاتفاقات سلام دون تخوف من رادع، هيمنة على قوى عظمى، الضرب عرض الحائط بكل محاولات أممية للحساب والعقاب، إخراج ألسن الإستهزاء والتحدى والتقزيم لكل من يحاول إدانة جرائمه والمطالبة بالتوقف عما يرتكب من بشاعة وتنكيل .. ولم يتوقف فوق كل ذلك عن سيل من الأكاذيب يطلقها دون أدنى شعور بالخجل بل تكللها بجاحة لا أعتقد أن أحدا من عتاة الإجرام على مر العصور امتلك قدرا ولو ضئيلا منها!

نحن أمام خطر واضح محدق وعدو شرس متربص، من غير الحكمة ولا المنطق ولاحتى المصلحة أن ننشغل بأمور دينية لاتبدو على نفس القدر من الخطر.. وننسى أن الدين هو ما يحضنا عن مواجهة العدو والاستعداد له بالقوة لترهيبه ودحره "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به الله وعدوكم".

لم نتجاهل ذلك الأمر الصريح والذى يكمن فيه الحل الناجع لأخطر مايهددنا ويهدد وجودنا! لماذا ننشغل بجدل عقيم بين سنة وشيعة وطرق صوفية وسلفية ومذاهب فقهية، بينما نغض الطرف عن الخطر الأكبر الذى يهددنا جميعا باختلاف عقائدنا ومذاهبنا ودياناتنا.

من المؤكد أن هناك من ينفخ في النيران مؤججا تلك الصراعات .. ومن المؤكد أن المستفيد الوحيد منها ذلك العدو المتربص بنا تعاونه أيادى قذرة من أصحاب المصلحة ظنا منهم أنه يوفر لهم الحماية .. ومن المؤكد أن هناك من يعمل على تكريس تلك الحالة من الجهل والتغييب ليسيطر بها على عقول البسطاء ليتمكن من تنفيذ خططه وساياسته الخبيثة.

المتربصون كثر ..عدو واضح الهدف صريح وعملاء موالون مأجورون يساعدونه على تحقيق نفس الهدف.

أفيقوا تصحوا، قبل أن نستيقظ جميعا على كارثة أكبر للأسف ليست ببعيدة .. وقانا الله إياها، وإن كان حقا لا يغير ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا.
----------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | الاستغناء عن الحكومة